انظر إلى هذا الصفحة
محبة أهل البيت عليهم السلام
قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يوم أسري به : (( أتاني ملك فقال لي : يا محمد ، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا ؟ قلت : على ما بعثوا ؟ قال : على ولايتك و ولاية علي ابن أبي طالب )) . معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري ، نشر دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، الطبعة الرابعة 1400هـ : ص 96 .
الأمام علي عليه السلام قسيم الجنة والنار
(( أنت قسيم الجنة والنار ، في يوم القيامة تقول للنار : هذا لي وهذا لك )) . ( هامش ) الصواعق المحرقة لاب حجر الهيتمي ، تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف ، نشر شركة الطباعة الفنية المتحدة 1965م ، القاهرة : ص75 .
جدير بالذكر أن هذا الحديث النبوي الشريف ورد بشكل مستفيض في كتب الشيعة و السنة ولشهرته يقول ابن أبي الحديد : (( فقد جاء في حقه الخبر الشائع المستفيض أنه قسيم النار والجنة ، وذكر أبو عبيد الهروي في الجمع بين الغريبين : إن قوما من أئمة العربية فسروه فقالوا : لأنه لما كان محبه من أهل الجنة ومبغضه من أهل النار ، كان بهذا الاعتبار قسيم النار والجنة . وقال غير هؤلاء : بل هو قسيمها بنفسه في الحقيقة ، يدخل قوما إلى الجنة وقوماً إلى النار . وهذا الذي ذكره أبو عبيد أخيراً هو ما يطابق الأخبار الواردة فيه ؛ يقول للنار : هذا لي فدعيه ، وهذا لك فخذيه )) . نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد ج9 ص165 .
وقد سئل أحمد بن حنبل عن الحديث (( يا أبا عبدالله ! ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن علياً قال : أنا قسيم النار ؟ فقال أحمد : وما تنكرون من هذا الحديث ؟ أليس روينا أن النبي صلى الله عليه وآله قال : (( ياعلي ! لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ؟ )) قلنا : بلى ، قال : فأين المؤمن ؟ قلنا : في الجنة ، قال : فأين المنافق ؟ قلنا : في النار ، قال : فعلي قسيم النار . الغدير ج3 ص299 .
الجنب هو القرب ، وقوله : على ما فرطت في جنب الله ، أي في قرب الله . لسان العرب ج1 ص275 . المعنى من العبارة في البحث ، هو أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الكمال الموصل إلى الكمال المطلق بلا فاصلة ، فهو جنب الله وفي جواره .
حرية الأختيار
فكل هؤلاء لم يخرجوا عن أصل فطرة التوحيد في خلقهم ولكنهم اثاقلوا إلى الأرض بعدما أمروا بالنظر في أمور دينهم ، ولعلهم لم تصل إليهم المعارف كما ينبغي ، والتي لا تخرج عن كونها منبهات لذلك الأمر الفطري الذي غيبه الركون إلى الدنيا والانغماس في ملذاتها .
حب علي عليه السلام
لا ريب أننا نشترط في المحب لعلي عليه السلام أن يكون موحداً لينتفع بحبه ، ومن دون التوحيد تصبح القضية سالبة بانتفاء الموضوع ، ويكون ( المحب ) خارجاً تخصصاً لا تخصيصاً ؛ قال تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) .
البرزخ
قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : (( والله لو اجتمعت الخلائق على حب علي ابن أبي طالب لما خلق الله تعالى النار )) . وقد جاء هذا المعنى مروياً في كتب الشيعة والسنة .
من هنا ينبغي أن يقع الكلام في مسألة عذاب البرزخ الذي هو الضرر الثالث ، فهل هو الآخر منفي عن شيعة أهل البيت عليهم السلام ؟
لو خلينا نحن ونص الحديث النبوي (( حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ... )) فإن الإطلاق حاكم بشمول الموردين معاً، أي عذاب نار القيامة وعذاب البرزخ ، فالسيئة مغفورة لمن حصل على ذلك الحب القدسي ، وأما ما ورد في جملة من الروايات حول الخشية لى أتباع أمير المؤمنين علي عليه السلام وشيعته من البرزخ فإنه لم يرد فيها لفظ العذاب أو العقاب أو النار ، وإنما قال في الموردين السابقين وغيرهما لفظ البرزخ مجرداً ، (( ما أخاف عليكم إلا البرزخ )) و (( أتخوف عليكم في البرزخ )) ، فهل الخوف والخشية منحصران بالعذاب والعقاب فقط ؟ كلا ثم كلا ، والوجدان حاكم بذلك ، فبعض الآباء يقول لولده : أخشى عليك الامتحان ، وأتخوف عليك من الامتحان ، وهو يعلم أن ولده على الدرجات العالية التي تناسبه ، وهكذا الحال فيما نحن فيه ، فإنها خشية من عدم حصول بعض المؤمنين على مراتب عالية من النعيم البرزخي اللائق بارتباطهم بأهل البيت عليهم السلام .
وأما في يوم القيامة فعدم دخول نارها من باب أولى (( فإذا صار الأمر إلينا - أي الشفاعة - فنحن أولى بكم )) ، هذا أولاً ، وأما ثانياً : فإننا إذا جمعنا بين حديثين شريفين مرويين عن الإمام الصادق عليه السلام هما :
الأول : قوله عليه السلام : (( إن للقبر كلاماً ... أنا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار )) .
الثاني : قوله لشيعة أهل البيت عليهم السلام : (( والله لا يدخل النار منكم أحد فتنافسوا في الدرجات وأكمدوا عدوكم بالورع )) .
إذا جمعنا بينهما فإننا سوف نخلص إلى عدم مساس المؤمن بعذاب البرزخ .
وأما ثالثاً : فإن قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : (( حب علي براءة من النار )) يؤكد ما نريد الوصول إليه ، فإن إطلاق الدليل ( براءة من النار ) شامل لمورد عذاب البرزخ ، لأن البرزخ روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، الصادق عليه السلام : (( إذا نظرت إلى القبر ، فقل : اللهم اجعله روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النيران )) .
وأما رابعاً : فهنالك رواية عن الإمام علي بن محمد الهادي عليهما السلام (( دخل الإمام الهادي عليه السلام على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت ، فقال : يا عبدالله تخاف من الموت لأنك لا تعرفه ، أرأيتك إذا اتسخت وتقذرت وتأديت من كثرة القذر والوسخ عليك وأصابك قروح وجرب وعلمت أن الغسل في حمام يزيل ذلك كله ، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك ؟ أو ما تكره ألا تدخله فيبقى ذلك عليك ؟ قال : بلى يا ابن رسول الله . قال : فذاك الموت هو ذلك الحمام وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك ، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كل غم وهم وأذى ووصلت إلى كل سرور وفرح . فسكن الرجل واستسلم ونشط وغمض عين نفسه ومضى لسبيله )) .
ومن الواضح أن قوله عليه السلام : (( وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك )) صريح بنفي عذاب البرزخ والقبر عن ذلك التابع والمحب . والذي يبدو من أحوال ذلك المريض هو كونه إنساناً عادياً بنكتة جزعه من الموت . فلو كانت له خصوصية لا شتد فرحه بلقاء الله تعالى .
وأما قوله عليه السلام : (( وهو آخر ما بقي عليك )) فهو دليل واضح وتام على كون التمحيص قد حصل للرجل وأنه يمر بمراحله الأخيرة ، وفي ذلك إشارة إلى عدم خصوصية ذلك الرجل .
أضف إلى ذلك وصف الإمام عليه السلام لحال الرجل بأمر كنائي وهو قوله عليه السلام : (( أرأيتك إذا اتسخت وتقذرت وتأذيت من كثرة القذر )) وفي هذا الوصف إشارة خفية إلى الوضع العام الذي هو عليه والذي يشترك فيه مع الأعم الأغلب من المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام .
وفي رواية أخرى يصف فيها الإمام الصادق للمفضل ما يكون عليه شيعة أمير المؤمنين من تمحيص في الدنيا دون الآخرة ، وأن آخر التمحيصات هو الموت ، حيث يقول عليه السلام : (( وإنه ليشدد عليه عند الموت وما هو إلا بذنوبه ، حتى يقول من حضره : لقد غم بالموت )) . فلما رأى ما قد داخلني قال : (( ذلك والله أنكم لا تؤاخذون بها في الآخرة وعجلت لكم في الدنيا )) .
فتحصل من ذلك رفع بل دفع جميع عذابات البرزخ عن شيعة أمير المؤمنين عليه السلام . والله العالم .
هذا من حيث محاكمة الأدلة النقلية ، وأما من حيث الوجدان والعقل فنحن إذا سلمنا بصحة مضمون الحديث المروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : (( حب علي حسنة )) فإنه يمكن استفادة ثلاثة أمور منه ، وهي :
الأمر الأول : إن الحب كما تقدم حقيقة وجودية كامنة في أصل وجود النفس ، فإذا أحب المؤمن علياً عليه السلام - والذي هو حب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وحبهما هو حب الله تعالى كما جاء ذلك صريحاً في عدة روايات منها قوله صلى الله عليه وآله : (( من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض اله عز وجل )) . فإن وجود ذلك المحب سوف يتحقق بذلك الحب ، ويكون هذا الحب هو فصله الحقيقي الذي يميزه عن أبناء نوعه الآخرين الذين حرموا هذا الفيض المقدس ، وبالتالي فأي سيئة بعدئذ سوف تضره ؟! وأي عذاب سوف يشمله ؟! كيف يكون ذلك وقد تميز في قلبه قسيم الجنة والنار ( علي عليه السلام ) والمبعوث رحمة للعالمين ( الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ) وبارئ الجنة والنار سبحانه . أوليس حب علي موصل إلى حب الله ؟ أوليس هذا الحب طهارة للروح والجسد ؟ فالذنوب مجبوبة مغفورة بل ومبدلة إلى حسنات وإن رغمت أنوف . ولكن كل بحسبه .
الأمر الثاني : إذا كان حب علي عليه السلام - الذي هو ترجمة أخرى عن ولايته وإمامته - حسنة لا تضر معها سيئة ، وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة ، فهذا دليل تام على كون حبه عليه السلام وولايته شرطاً في قبول الأعمال ، فإذا توقفت جميع أعمال العبد الأخرى بلا استثناء على حب علي عليه السلام فهذا يعني أن هذه الحسنة لا يوجد مثيل لها وأن فاقدها لم يحرز شيئاً بعينه ولو جاء بحسنات الثقلين - دون ذلك الحب - وبذا يكون هذا الحب قاضياً ماحقاً لكل ذنب ، فالحسنة الحقيقية العظمى متوافرة والسيئة الحقيقية العظمى مفقودة ، فكل سيئة أخرى ستنطفي نارها بذلك النور القدسي .
بعبارة أخرى : إن حب علي عليه السلام هو الحسنة الراجحة على جميع السيئات الأخرى فلا يعدلها شيء ولا ينقص منها شيء ، وقد جاء هذا المعنى في جملة من الروايات ، نذكر منها قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : (( .. ما وضع حب علي في ميزان أحد إلا رجح على سيئاته ، ولا وضع بغضه في ميزان أحد إلا رجح على حسناته )) .
الأمر الثالث : إن السيئات التي يقترفها المؤمن سوف يغادرها عيناً وأثراً وهو في الحياة الدنيا كرامة لذلك الحب وذاك التولي ، لأن ذلك الحب لا يجتمع مع السيئة فيكون طارداً لها ، ولذا يبتلى المذنب في دنياه بفقر أو مرض أو سجن أو ثكل ، وما شابه ذلك حتى يطه قلبه وبدنه فيخرج من الدنيا كيوم ولدته أمه .
عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال : (( ما من شيعتنا أحد يقارف أمراً نهيناه عنه فيموت حتى يبتليه الله ببلية تمحص بها ذنوبه ، إما في ماله أو ولده ، وإما في نفسه حتى يلقى الله محبنا وما له ذنب ، وإنه ليبقى عليه شيء فيشدد عليه عند موته فتمحص ذنوبه )) . وفي حديث أخر مروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه دخل عليه رجل فقال : جعلت فداك ! إن لي أخاً لا يؤلي - أي لا يقصر ولا يبطئ - عن محبتكم وتعظيمكم غير أنه يشرب الخمر . فقال الصادق عليه السلام : (( إنه لعظيم أن يكون محبنا بهذه الحال ، إلا أن هذا لا يخرج من الدنيا حتى يتوب أو يبتليه الله ببلاء في جسده فيكون تحبيطاً لخطاياه حتى يلقى الله عز وجل ولا ذنب عليه )) .
فالسيئات لها أثر وضعي على المؤمن - فضلاً عن غير المؤمن - في الدنيا ، وهذا الأثر يمحق تماماً بالتمحيص في الدنيا ، فلا يبقى للذنب بعد الموت عين ولا أثر .
ولكن ينبغي أن يعلم أن البحث فيما تقدم إنما هو كبروي يتوقف تطبيقه على تحقق الصغرى ، وهي إحراز حب علي عليه السلام وتحققه ، فلا يكفي الادعاء مجرداً وإنما لابد من التحقق به .
واعلم أن حب علي وولايته عليه السلام لا يجتمعان البتة مع حب وموالاة مناوئيه وأعدائه وسالبيه حقه والراضين بذلك ، كما أن حب الله تعالى لا يجتمع مع حب الشيطان ، وكما أن حب الآخرة لا يجتمع مع حب الدنيا ، وأنى للظلمة أن تجتمع مع النور ، فافهم .
واللازم على كل مؤمن ومؤمنة أن يحافظ على تلك الجوهرة الفريدة النفيسة ، أعني بذلك حب أهل البيت عليه السلام ؛ فبه الحياة الطيبة تكون ، وبه الحياة الأبدية السعيدة تنال ، فالسعيد من اتبعهم ، والشقي من خالفهم ، والسعيد من اتعظ بهذه الكلمات ولم يضيعها .
الضمانات
على كل مؤمن ومؤمنة لزوم ذلك ، ولكن هذا لا يمنع من كون التقوى والورع والاجتهاد على مراتب لا مرتبة واحدة ، ولا شبهة ولا ريب أن حب أمير المؤمنين علي عليه السلام هو من التقوى والورع والاجتهاد ، إن لم يكن هو كل ذلك ، ولكنها منازل ومراتب فتنافسوا فيها وأحسنوا لأنفسكم بذلك ، والله يحب المحسنين .
تعليقات
إرسال تعليق