هامش معرفة الله 2

 

الإنسان الكامل



الانسان الكامل كله لله تعالى في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته ، ولكنه وبتبع مقتضيات الحياة الطبيعية يضطر لتناول المأكل والمشرب وأخذ حاجته ، وهذا النوع من الاشتغال وإن كان الإنسان الكامل - المعصوم - لا يأتي به إلا على نحو الاستحباب أو الوجوب لا بما هو مباح ، ولكنه بحسب مراتبه يعد ذنباً وخدشاّ وكدورة في مرآته المصفاة .

وكأن تلك الأفعال المباحة عندنا والمستحبة عندهم من طعام ونكاح تعد من الذنوب بحسبهم لأنهم يرون أنها تخدش بنحو ما حضورهم الدائم بين يدي الله تعالى ، وفي ضوء ذلك يتضح لنا المراد في جملة من الأدعية والأوراد الشريفة التي كان يؤديها المعصوم عليه السلام وفيها نوع من الإقرار بالذنب والمعصية والخطيئة .

عن الأمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام حيث يقول : وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ، وما عصيتك إذ عصيتك وأن بك شاك ، ولا بنكالك جاهل ، ولا لعقوبتك متعرض ، ولكن سولت لي نفسي ، وأعانني على ذلك سترك المرخى به علي .
إلى أن يقول : ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب ، أما أن لي أن أستحي من ربي .

فتلك المعصية كان مصدرها تسويل النفس ليس إلا ، وفي هذا التعبير كناية عن المأكل والمشرب والنكاح وغير ذلك من ضروريات الحياة التي كان يؤديها الإمام عليه السلام في ستر الله المرخى عليه . ومن الواضح أن الإنسان كلما امتد به العمر يكون قد أخذ قسطاً أكبر من تلك الحاجيات التي هي ذنوب بلحاظ الإنسان الكامل ، وبذلك تكون إطالة عمره الشريف كثرة لحطاياه ، ناهيك عن أصل الوجود في عالم الملك والمادة والطبيعة المقتضية لحصول النقص والقصور فهو ذنب لا يقاس به ذنب ؛ كما قيل : وجودك ذنب لا يقاس به ذنب .

تعليقات